نظرة عامة حول الاقتصاد المحلي والعالمي

تسببت جائحة كورونا بأزمة تاريخية عالمية، كما أنها كانت سببا رئيسيا في التأثير على موارد أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم، والتي كانت خسارة أكثر من مليونين نفس بشرية نتيجة لها. وقد أدى الانكماش الاقتصادي الغير مسبوق الى كساد ليس له مثيل منذ الكساد الحاصل في الثلاثينيات من القرن الماضي. كما تقلص الاقتصاد العالمي بنسبة %3.5- حسب تقديرات صندوق النقد الدولي في عام 2020م. فقد اتخذت الحكومات في جميع أنحاء العالم تدابير إنقاذ مالي غير مسبوقة وخفضّت كبرى لبنوك المركزية أسعار الفائدة إلى ما يقارب من الصفر. ومن جهة أخرى قامت بضخ سيولة ضخمة لدعم اقتصاداتها. وقد بلغ الدعم المالي الإجمالي وفقًا لحسابات صندوق النقد الدولي واستجابةً لجائحة كورونا حوالي %12 من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ونتيجة لذلك، تشير التقديرات إلى أن الدين العام العالمي وصل إلى %100 من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020م.

وبناءً على أحدث تقديرات صندوق النقد الدولي في عام 2020م، فقد انكمش الاقتصاد الأمريكي بنسبة %3.4-. ويمكن تفسير هذا الانكماش الاقتصادي من خلال التعافي القوي والمستدام في النصف الثاني من عام 2020 بعد الانكماش الهائل في الربع الثاني من العام. في حين تعافى الإنفاق الاستهلاكي خلال الربع الثالث بشكل سريع، جاء الدعم الإضافي من قطاع الإسكان وأنشطة البناء أيضا.

وقد تضررت الاقتصادات الأوروبية بشدة في عام 2020م. وبالنسبة لمنطقة اليورو، يقدر صندوق النقد الدولي أن يكون الانكماش الاقتصادي بحجم %7.2-، وفي المملكة المتحدة لا يقل عن %10.0-. ولأن العديد من الدول الأوروبية فرضت الحجر الصحي الكامل في المراحل الأولى من الوباء، كان لهذا تأثيرا كبيرا على النشاط الاقتصادي في الربع الثاني من العام. ولكن بعد التخفيف التدريجي لهذه الإجراءات والتعافي القوي في الربع الثالث، أدى اندلاع الموجتين الثانية والثالثة من الوباء إلى إجبار العديد من الدول الأوروبية على فرض الحجر الجزئي مما أدى إلى انتكاس النمو السلبي في الربع الأخير من العام.

كما أنه من المتوقع أن تكون الصين هي الدولة الوحيدة التي تتمتع بمعدل نمو اقتصادي إيجابي لعام 2020م بأكمله. بعد الركود في الربع الأول نتيجة لجائحة كورونا، تلقى الاقتصاد ارتفاعا في البنية التحتية والعقارات وزيادة الصادرات والطلب المحلي. ويقدر صندوق النقد الدولي أن النمو الاقتصادي الصيني سيكون %2.3 لعام 2020م. وعلى عكس ذلك، يعلن الاقتصاد في الهند تأثرا شديدا عن تفشي الوباء مع تراجع النشاط الاقتصادي بنسبة %8.0- في عام 2020 وفقًا لصندوق النقد الدولي. وقد كان هناك انكماش كبير في جميع القطاعات باستثناء الإنتاج الزراعي.

وتشير توقعات صندوق النقد الدولي الى تعافي الاقتصاد العالمي بنسبة %5.5 في عام 2021. ويمكن تفسير ذلك من خلال دمج الدعم المالي والنقدي القوي في الاقتصادات الكبرى وإطلاق لقاحات جديدة خلال عام 2021 والذي تم تطويره في فترة زمنية قصيرة بشكل ملحوظ. ومن المتوقع أن يتباطأ النمو العالمي تدريجياً إلى %4.2 في عام 2022.

اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي

واجهت دول مجلس التعاون الخليجي التأثير المزدوج لجائحة كورونا مع انخفاض أسعار النفط بشكل حاد في الوقت نفسه. فقد نفذت الحكومات مجموعة من الإجراءات للتخفيف من تأثير الوباء بما في ذلك التدابير المالية العامة، التخفيف النقدي وضخ السيولة في النظام المصرفي. لأن الوباء كان سببا في انخفاض أسعار النفط بسبب الانهيار الغير مسبوق في الطلب عالميا. ونتيجة لذلك، تم تقليص العديد من الصناعات الثقيلة البترولية.

الاقتصاد السعودي

تأثر الاقتصاد السعودي بانخفاض أسعار النفط وانخفاض إنتاج الخام بالإضافة إلى انخفاض نشاط الاقتصاد غير النفطي بسبب تأثير جائحة كورونا كما هو الحال مع بقية دول الشرق الأوسط. وقد كان الحجر الكلي المفروض خلال الربع الثاني سببا في تباطأ نمو الاقتصاد غير النفطي بشكل خاص. كما انكمش الاقتصاد غير النفطي بنسبة %8.2- في الربع الثاني مقارنة بالعام السابق. ومن بين القطاعات الرئيسية، تعرضت تجارة الجملة والتجزئة، فضلاً عن النقل والتخزين والاتصالات، لضربة قوية بشكل خاص في الربع الثاني، بينما اتضح أن الخدمات المالية والتأمين والأعمال لم تظهر سوى تباطؤ هامشي. ومن جهة أخرى، حدث تعافي ملحوظ خلال الربع الثالث يرجع إلى تخفيف عمليات الإغلاق والطلب المكبوت بالأساس. وقد أظهر نمو الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد غير النفطي تحسنا بشكل ملحوظ إلى %2.1- على أساس سنوي.

استجابت الحكومة السعودية والبنك المركزي السعودي بطريقة سياسية وبشكل سريع بخصوص تفشي الوباء. فقد تضمنت الحزمة المالية لدعم القطاع الخاص على وجه الخصوص إعفاء 120 مليار ريال سعودي من خلال إعفاءات الرسوم الإدارية المختلفة وتأجيل ضريبة القيمة المضافة وضريبة الزكاة، كذلك دفع %60 من رواتب السعوديين في الشركات المتضررة من الوباء وإعادة تخصيص 47 مليار ريال سعودي ضمن الميزانية لقطاع الرعاية الصحية للاستثمار في البنية التحتية لفيروس كورونا. ومن أجل زيادة الاقتراض، تم رفع سقف الدين الحكومي من %30 إلى %50 من الناتج المحلي الإجمالي. وفي سبيل تعزيز مصادر تمويل المالية العامة المستدامة، تم زيادة معدل ضريبة القيمة المضافة من %5 إلى %15 بحلول يوليو.

وفي الوقت نفسه، قدم البنك المركزي السعودي الدعم للقطاع المالي من خلال ضخ 50 مليار ريال سعودي بشكل ودائع دون فوائد بالإضافة إلى حوالي 80 مليار ريال سعودي من خلال برامج دعم تمويل القطاع الخاص المخصصة والتي تركز بشكل خاص على قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة. وتضمنت إجراءات الدعم من قبل البنك المركزي سيولة كافية في النظام المالي خلال فترة الأزمة وخلال مرحلة تعافي الاقتصاد السعودي.

انخفضت أسعار النفط انخفاض حاد في الربيع بسبب تفشي الوباء، فقد وصل سعر خام برنت إلى 19 دولارًا أمريكيًا في منتصف أبريل بعد أن بدأ العام عند مستوى 66 دولارًا أمريكيًا. نتيجة للتحسن التدريجي في الطلب العالمي والاتفاق التاريخي لخفض الإنتاج من قبل أوبك +، بدأت أسعار النفط بالتحسن خلال شهر مايو. وقد كانت الأخبار الإيجابية المتعلقة بتطوير لقاحات جديدة ضد فايروس كورونا في نوفمبر سببا لهذا التحسن وتسببت في ارتفاع أسعار برنت إلى 52 دولارًا أمريكيًا في نهاية عام 2020م.

كما خفضت المملكة العربية السعودية إنتاجها من النفط الخام من 9.7 مليون برميل في اليوم في بداية عام 2020م إلى 9.0 مليون برميل في اليوم في ديسمبر بناء على اتفاقية خفض إنتاج أوبك +. وبالنسبة للعام 2020م بكامله، انخفض إنتاج النفط بنسبة - %6 مقارنة بالعام السابق.

وقد تُرجم هذا الانخفاض في الإنتاج إلى مساهمة سلبية بالمقابل مع نمو الناتج المحلي الإجمالي لقطاع النفط في عام 2020م. إلى جانب الانكماش في القطاع غير النفطي، يقدر تباطؤ النمو الاقتصادي السعودي بنسبة %3.9- لعام 2020م وفقًا لصندوق النقد الدولي.

كما نتوقع تعافيا ملحوظا في عام 2021م، ومن المحتمل أن يزيد هذا التعافي خلال النصف الثاني من العام ويستمر حتى عام 2022م. وتشير توقعات صندوق النقد الدولي الى معدل نمو للاقتصاد السعودي بنسبة %2.6 في عام 2021م، ويتبعه %4.0 في عام 2022م. وبالنسبة للاقتصاد العالمي بشكل عام فإنه يعتمد على مدى انتشار فايروس كورونا وإطلاق اللقاح خلال عام 2021م.

PREVIOUS PAGE

NEXT PAGE

Close